أفكار وآراء

الاحتباس الحراري... البشر والحجر في خطر

02 أغسطس 2019
02 أغسطس 2019

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل أضحت البشرية في مواجهة كارثة حقيقية، يمكنها أن تقضي على البشر والحجر دفعة واحدة، من جراء التغيرات المناخية التي تتبدى بشكل مخيف للغاية في حاضرات أيامنا؟

الجواب الواضح والمؤلم هو ما نراه من حولنا في العقود الأخيرة عامة، وفي السنوات الأخيرة خاصة، أما حالة التغيرات المناخية التي حدثت حول العالم الأسابيع القليلة الماضية فتشير إلى أن القادم يمكن أن يكون مرعبا، حال استمرت حرارة الكرة الأرضية في الارتفاع على مثل هذا النحو الذي نراه.

هل هو انتقام الطبيعة من الإنسان الذي أذلها وحاول أن يخضعها إلى ذاتيته المتفردة ومن دون أن يأخذ في عين الاعتبار أن «أمنا الأرض» تئن من تحت الضربات البشرية التي أهلكت الغابات، واستخدمت الكربون والوقود الأحفوري، ناهيك عن ارتفاع نسب العوادم في طبقات الجو العليا مما قادنا إلى ظاهرة الاحتباس الحراري التي نحن بصدد الحديث عنها؟

يقول البعض إن ارتفاع حرارة الأرض مرده إلى الخطط التنموية الكبرى التي يسعى الإنسان إلى تفعيلها للارتقاء بمستواه الحياتي، الاقتصادي والاجتماعي، وهي وجهة نظر لها وجاهتها بالفعل، غير انه ما فائدة التنمية إن كانت ستهلك الزرع والضرع مرة واحدة على النحو الذي نراه.

مؤخرا أشار علماء وكالة الفضاء الأمريكية الشهيرة ناسا إلى أن الكمية الإضافية الحالية من الطاقة الحرارية المستجدة على الأرض تعادل أربعمائة ألف قنبلة ذرية مثل تلك التي قصفت بها هيروشيما، ما يعني أن كوكب الأرض في خطر حقيقي، وان انبعاثات الغازات تقود البشرية إلى نوع من أنواع الهلاك المحقق دون أدنى شك.

ولعل القارئ غير المتخصص يتساءل أول الأمر:«ما الذي يعنيه مصطلح الاحتباس الحراري؟

باختصار غير مخل يتم التحكم في درجة حرارة الأرض بالتوازن بين ما يدخل من طاقة الشمس، وفقد الطاقة التي تعود إلى الفضاء،. وبعض الغازات الجوية أساسية في هذا التوازن في درجة الحرارة، وهي معروفة باسم غازات الدفيئة. وتكون الطاقة المكتسبة من الشمس على هيئة إشعاع موجة قصيرة، أي في الطيف المرئي والإشعاع فوق البنفسجي. وفي المتوسط ينعكس نحو ثلث هذا الإشعاع الشمسي الذي يسقط على الأرض، عائدا إلى الفضاء.

ومن الجزء المتبقي، يتم امتصاص بعضه بواسطة الغلاف الجوي، لكن اغلبه تمتصه الأرض والمحيطات. يسخن سطح الأرض، ونتيجة لذلك يطلق أشعة « تحت الحمراء» ذات موجة طويلة، وتمنع غازات الدفيئة مرور بعض هذا الإشعاع ذي الموجة الطويلة، وتعيد إطلاقه، مما يجعل حرارة الأرض ترتفع.

وتحتوي غازات الدفيئة المتكونة بشكل طبيعي من بخار ماء، وثاني أكسيد كربون، واوزون، وميثان، واكسيد النيتروز، ومعا تؤدي إلى تأثير الدفيئة أو تأثير الغطاء، مما يتسبب في تدفئة الأرض إلى درجة 35 درجة مئوية.

احد الأسئلة المهمة التي تتقاطع مع قصة الاحتباس الحراري: «هل نحن إزاء إشكالية بيئية مناخية فقط؟»

الشاهد أن الإشكالية وان كانت من اكثر القضايا العلمية إثارة للجدل في القرن الواحد والعشرين، وتتحدى بنية مجتمعنا العالمي ذاتها، إلا أنها ليست مجرد أمر علمي، إنها قضية تتقاطع فيها أطراف الاقتصاد والسياسة، الاجتماع والأديان، الأخلاق والقيم والموروث الحضاري، إنها قضية رهان الإنسان على حياته ومستقبله، وان كانت السياسات الدولية هي صاحبة النصيب الأكبر من الحديث... ماذا نعني بذلك ؟ الجواب، هل نريد تنمية صناعية على حساب دمار كوكب الأرض أم لا؟

وهل نود أن نترك للأجيال القادمة كوكبا صالح للحياة أم عليهم البحث عن موقع وموضع آخر؟

الكارثة انه ليس لدينا الخطة «ب»، أي ليس لدينا كوكب آخر، يمكن أن نرتحل إليه سويا، كما كانت القبائل ترتحل في عصر البداوة من موقع إلى آخر، ومن ناحية إلى أخرى، وهنا يتضح لنا أن التوجهات السياسية للقوى العظمى هي التي تحكم المشهد الإيكولوجي حول العالم.

خذ إليك على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية ودورها في أزمة المناخ العالمي، وارتفاع درجات حرارة الأرض.

يكتب « جان بيوتروسكي» مراسل البيئة في مجلة الايكونوميست البريطانية ذائعة الصيت مؤخرا مشيرا إلى دونالد ترامب وخلال حملته الانتخابية الرئاسية، كان قد ندد باتفاق باريس للمناخ لعام 2015، باعتبارها واحدة من العديد من الصفقات السيئة التي قام بها أسلافه، وبدا تنفيذ الاتفاقية في الرابع من نوفمبر عام 2016، بعد أن وافقت عليها 55 دولة مسؤولة عن ما لا يقل عن 55% من انبعاثات الغازات الدفيئة.

في يونيو من عام 2017 اعلن ترامب انه سيسحب ثاني اكبر مصدر للانبعاثات الكربونية في العالم من الاتفاقية، مهما كلف هذا الأمر غرامات، والسؤال الواجب طرحه: لماذا تصرف ترامب على هذا النحو ؟.

باختصار غير مخل لان الرجل واقع تحت تأثير جماعات الضغط الكبرى الخاصة بما يسمى لوبي الفحم في الداخل الأمريكي، وهو احد اكبر مجموعات الضغط التي تمارس نفوذا سياسيا على الحياة العامة، وذلك عبر تبرعاتها التي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، عطفا على اقتصاد الفحم نفسه والعاملين في سياقاته، سيما وانه أرخص كثيرا من النفط، وبالتالي فإن المؤسسات الصناعية التي تعتمد عليه، تحقق أرباحا عالية وغالية القيمة، مقارنة بما يمكن أن تدركه عبر النفط، المرتفع التكلفة، إضافة إلى القوة الانتخابية التي يشكلها هذا اللوبي، والذي لا يهمه المناخ، وإنما هو مهموم ومحموم بالمنافع البراجماتية الوقتية.

ماذا عن الصين، وهل هي في وضع افضل من وضع أمريكا بالنسبة لتلوث البيئة ودفع غازات الدفيئة إلى درجات أعلى من ذاك الذي يتهدد حرارة الكرة الأرضية ؟

نحن نعلم أن الصين وعبر هدوئها الكونفوشيوسي التقليدي تعيش حالة من حالات السباق القطبي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وان كانت الأخيرة قادرة على تهديد بكين بردعها النووي، فان الصين تهدد الولايات المتحدة بردعها النقدي، بمعنى أنها قادرة على التأثير في أوضاعها المالية، سواء من خلال تخفيض قيمة اليوان الصيني، العملة المحلية الشهيرة او من خلال سحب الاستثمارات الصينية والودائع في البنك المركزي الأمريكي.

هنا هل يمكن للصين أن تكون اكثر رحمة ورأفة بالمناخ العالمي من ترامب؟

بالنسبة لأمريكا تبدو التوقعات المستقبلية في أماكن اخرى ثنائية القطبية، ففي الصين سيتمسك الرئيس «شي جين بينغ»، بخطابه المناصر للبيئة والمناخ، لكنه لن يدعمه بالأفعال، فعلى سبيل المثال قررت السلطات الصينية عدم تجديد القيود الخاصة بصناعة الصلب خلال فصل الشتاء المقبل.

هل يعني ذلك أن لا احد لديه اهتمام حقيقي وعميق بتغيرات البيئة، وما يمكن أن يستتبع ذلك من كوارث لن توفر الصينيين ولا الأمريكيين ولا غيرهم من أدنى الأرض إلى أقصاها؟

في عددها الصادر في نوفمبر الماضي، خصصت مجلة « ناشيونال جيوغرافيك» الأمريكية، عددا كاملا من إصداراتها الرصينة لما يجري في قارة انتاركتيكا، أي المنطقة القطبية الجنوبية في أقصى جنوب الكرة الأرضية، وقد جاء عنوان العدد كالتالي:« وداعا انتاركتيكا »، ومن تحته عنوان فرعي يقول: « إن ذوبان جليد القارة المتجمدة الجنوبية يتسارع ويهدد بزوال نسيجها البيئي المعقد ».

يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد وعرض ما في ذاك الملف الكبير والواسع، إلا أن المعلومة المهمة للغاية هي أن درجة حرارة الهواء الشتوي في شبه الجزيرة الباردة الواقعة غرب قارة انتاركتيكيا قد ارتفعت بأكثر من خمس درجات مئوية منذ خمسينات القرن العشرين... ما هي النتيجة المتوقعة؟

المؤكد ارتفاع منسوب مياه المحيطات والأنهار والبحار على وجه الأرض، أي أن المياه ستغمر اليابسة من جديد، ومعنى ذلك أن هناك مناطق واسعة سوف تطمر تحت المياه، ومدنا كاملة سوف تختفي من على وجه الأرض، عطفا على ازدياد البحر، بما يصاحبه من جفاف شديد على الأرض، يقود العالم إلى حالة من حالات الجوع، بسبب تصحر الأراضي، وندرة المياه العذبة.

والشاهد أن ارتفاع درجات الحرارة الأسابيع الأخيرة في أوروبا وبصورة غير عقلانية، ربما لم تشهدها أوروبا منذ مئات السنين، قد دعا الأمم المتحدة والهيئات المعنية إلى دق ناقوس الخطر الفعلي والداهم، وكأن البشرية على موعد مع الحرب العالمية الثالثة، وقال العارفون ببواطن الامور:«هناك أمور كثيرة على المحك خلال الشهور الثمانية عشرة المقبلة، وهي فترة حاسمة للمسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص على حد سواء، لتحويل دفة الانبعاثات بالفعل».

لم تعد صيحات الأمناء العموميين للأمم المتحدة تنفع أو تشفع في درء الخطر الداهم، القائم والقادم، فقد بح صوت الأمين العام السابق والراحل كوفي عنان من جراء التنبيه إلى كارثة الاحتباس الحراري، وفي ظل الانبعاثات الحالية، التي تدفع درجات الحرارة إلى الارتفاع اكثر من 3 درجات، فيما يعمل الأمين العام للأمم المتحدة الحالي انطونيو غوتيريس على انتزاع اكبر قدر من تعهدات الدول قبل القمة المقرة لمناقشة أحوال المناخ في سبتمبر المقبل.

يذهب غوتيريس إلى أن عدم خفض الانبعاثات سيكون بمثابة عملية انتحارية جماعية من البشرية، ويؤكد على صدقية توجهاته هذه خبير المناخ الأمريكي « مايكل مان«»، والذي يرى انه ينبغي خفض الانبعاثات بما يتجاوز كثيرا ما تريده الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، لان الهيئة ربما تستهين بمدى ارتفاع درجات الحرارة بالفعل مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية.

هل سيقدر للحكومات الكبرى حول الكرة الأرضية، لا سيما الصين والولايات المتحدة خفض استهلاك الكربون بنسبة 40%، إن اردنا تخفيض درجة حرارة الأرض بنسبة درجة ونصف في السنوات القادمة؟

في تقرير أخير وأخر صدر الأيام الماضية عن الصندوق العالمي للطبيعة، نجد بيانات تشير إلى أن البشرية إن لم تبادر إلى حلول سريعة لوقف تدهور المناخ فان مواردها الطبيعة لن تكون كافية لحياة الكائن البشري.. فانظر ماذا ترى ؟